الحرب على غزة- خطاب التدويل في مواجهة المقاومة المحلية

المؤلف: د. محجوب الزويري11.22.2025
الحرب على غزة- خطاب التدويل في مواجهة المقاومة المحلية

منذ بداية عملية "طوفان الأقصى"، اشتعلت حروب متنوعة، تتجاوز العمليات العسكرية المباشرة في غزة والضفة الغربية. هذه الحروب تدور رحاها حول الروايات وتشويه صورة الطرف المقابل. وسط هذا المعترك، برز صراع حاد بين من يرى هذا النزاع جزءًا من صراع عالمي أوسع، سواء على مستوى الأفكار أو الجغرافيا، وبين من يعتبره نزاعًا ثنائيًا محصورًا بالاحتلال وممارساته اللاإنسانية.

تسعى هذه المقالة إلى تحليل معمق للخطابين المهيمنين اللذين استُخدما لتأطير الصراع: خطاب التدويل، الذي يسعى إلى توسيع دائرة النزاع، وخطاب الثنائية، الذي يؤكد على حق الشعب الواقع تحت الاحتلال في مقاومة المحتل الذي يسيطر على أرضه ويفرض إرادته عليه بالقوة.

الحرب على غزة بين خطابَين

اعتمدت دولة الاحتلال خطابًا يصب في خانة تصوير الأحداث على أنها جزء من حرب عالمية لا تزال مستمرة ضد الإرهاب، وهو منظور سائد في الغرب منذ عقود.

تم بناء هذا الخطاب بعناية فائقة، باستخدام الكلمات والمصطلحات المؤثرة والأخبار الدعائية المضللة. الاستعانة بذكرى هجمات سبتمبر 2001، والتهويل بتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ "داعش"، كان حجر الزاوية في خطاب التدويل هذا.

فالتصدي لتلك التيارات المتطرفة تم في إطار حرب عالمية قادتها الولايات المتحدة. لقد تمت صياغة خطاب عالمية الحرب على غزة ضمن ستة سياقات:

السياق الأوّل: حرصت حكومة الاحتلال، منذ اللحظات الأولى لهجوم السابع من أكتوبر، على الترويج لرواية مفادها أن ما حدث لم يكن موجهًا ضد دولة الاحتلال وحدها، بل ضد العالم الغربي بأسره.

وقد ركزت دولة الاحتلال على تقديم السابع من أكتوبر باعتباره نقطة البداية الوحيدة للصراع، متجاهلةً عن عمد حقيقة أن الاحتلال قائم منذ أكثر من 75 عامًا، وأن غزة ترزح تحت الاحتلال منذ أكثر من 56 عامًا.

السياق الثاني: تم استعارة مصطلحات وأفكار تثير الخوف في الغرب، وتدفعه إلى دعم دولة الاحتلال بشكل كامل، وذلك من خلال التذكير بأحداث سبتمبر 2001 وتبعاتها، والحرب على الإرهاب وامتداداتها المتمثلة في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من وجهة النظر الغربية.

إن إبراز دور (داعش) يندرج في سياق الرواية الإسرائيلية المضللة حول قتل المدنيين وقطع رؤوس الأطفال وحرقهم، وهي قصص سبق للغرب الترويج لها حول الجماعات المتطرفة التي تدعي الانتساب إلى الإسلام.

وقد كشفت الحقائق لاحقًا أن دولة الاحتلال كانت تقدم موادَّ فيلمية لضيوفها أو تشاركها مع الذين لم يتمكنوا من زيارتها في الأسبوع الأول بعد 7 أكتوبر. لقد كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يصر على عدم خوض المعركة ضد حركة حماس بمفرده، فالغطاءُ الدولي كان يمثل له ضرورة قصوى طوال أكثر من 16 عامًا في مواجهته مع إيران والمقاومة.

السياق الثالث: تجسد في الادعاء بأن هجوم السابع من أكتوبر تم بتخطيط ودعم دولة، في إشارة واضحة إلى إيران. إن استحضار اسم إيران يهدف إلى استمالة الدعم الغربي الذي يحمل تصورات سلبية مبالغ فيها حول دورها في الشرق الأوسط.

من هنا جاء إرسال حاملات الطائرات، مثل جيرالد فورد وغيرها، كرسالة قوية تعكس التجاوب مع الرواية التي قدمتها دولة الاحتلال. تم الترويج لهذه الجزئيات خلال العشرة أيام التي تلت الثامن من أكتوبر، والتي أعقبت قرار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بإعلان حالة الحرب ضد غزة، استنادًا إلى المادة (40) من القانون الأساسيّ للحكومة.

السياق الرابع: يتمثل في اعتبار إعلان جماعة الحوثيين في اليمن عن نيتهم استهداف السفن المتوجهة إلى دولة الاحتلال أو القادمة منها، وذلك بهدف السماح بوصول الاحتياجات الأساسية من غذاء وماء ودواء إلى غزة المحاصرة.

اعتبرت حكومة دولة الاحتلال – بالاتفاق مع واشنطن- أن هذا الإجراء يمثل تهديدًا خطيرًا للملاحة البحرية، وسارعت إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة الحوثيين، وهو تكرار لما حدث في الفترة بين عامي 2000 و 2017 لمكافحة القرصنة في بحر العرب.

ورغم المساعي الحثيثة والإعلان الأميركي عن تأسيس تحالف "حارس الازدهار"، امتنعت دول أوروبية بارزة، مثل إسبانيا وفرنسا، عن الانضمام إليه، مما ترك مصير التحالف معلقًا.

السياق الخامس: تمثل هذا السياق في تهديد دولة الاحتلال بالعودة إلى سياسة الاغتيالات التي تستهدف قادة حماس في الخارج، رغم ما يمثله ذلك من انتهاك لسيادة الدول الأخرى. وقد وجهت تركيا، على سبيل المثال، رسالة قوية إلى دولة الاحتلال مفادها أنها سترد بقوة إذا تم استهداف أي من قيادات حماس على الأراضي التركية.

لم تتوقف دولة الاحتلال عن محاولاتها لتدويل حربها على غزة، فقامت في 2 يناير 2024 باغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ورئيس المكتب السياسي للحركة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى اثنين من قادة الحركة في الضاحية الجنوبية في بيروت، والتي تعتبر معقلًا رئيسيًا لحزب الله.

جاء هذا الاغتيال بعد تطورين هامين واجها حكومة الاحتلال: الأول؛ هو سحب الولايات المتحدة حاملة الطائرات جيرالد فورد من البحر المتوسط، والآخر هو قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بإلغاء قانون المعقولية الذي يمنح الحكومة سلطة واسعة على السلطة القضائية.

إن استهداف الشيخ العاروري يمثل محاولة من رئيس وزراء حكومة الاحتلال للمضي قدمًا في تدويل حربه على غزة من جهة، ومقاومة تداعيات قرار المحكمة العليا الذي يضعف الائتلاف الحكومي اليميني الذي يقوده من جهة أخرى.

السياق السادس: امتدت آثار خطاب التدويل إلى داخل الدول التي تدعم دولة الاحتلال، حيث بات هذا الخطاب يؤثر بشكل كبير على السياسة الداخلية في تلك الدول، ويؤدي إلى تضييق الخناق على الحريات لمجرد انتقاد دولة الاحتلال أو التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى مراقبة الشعارات التي يستخدمها المتظاهرون الرافضون لحرب دولة الاحتلال على غزة.

إن حملات التخوين والاتهامات والتشهير التي طالت شخصيات وأكاديميين في المجتمعات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في سياق معاداة السامية لمجرد انتقاد دولة الاحتلال، ما هي إلا تجسيد لمحاولة تدويل الصراع الذي يسعى رئيس وزراء دولة الاحتلال إلى فرضه منذ السابع من أكتوبر.

في المقابل، يرى الطرف الآخر في المواجهة، ممثلًا بحركة المقاومة الإسلامية حماس وبقية فصائل المقاومة، أن الحرب على غزة هي حرب تشنها حكومة الاحتلال ضد شعب محتل يقاوم الاحتلال ويرفض الاستسلام له، ويؤكدون أنهم لا يتلقون أي دعم حقيقي، وأن الحرب ضدهم هي حرب عالمية تقودها دولة الاحتلال، وبدعم من قوى دولية فاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

اغتيال صالح العاروري والمرحلة الجديدة

مع استمرار الحرب على غزة في ظل السياقات السابقة، وتأثرها بها وتأثيرها فيها، فمن المؤكد أن هذه الحرب تدخل مرحلة جديدة بعد الثاني من يناير 2024، وأن استهداف الشيخ صالح العاروري يمثل نقطة تحول تنذر بثلاثة سيناريوهات محتملة:

الأول: سيناريو التصعيد وتوسع نطاق رد حزب الله، بحيث تزداد حدة عمليات الحزب وتصبح أكثر تركيزًا واستمرارًا، مما ينذر بتحول الصراع إلى صراع إقليمي ذي تعقيدات جمة. هذا السيناريو قد يكون الأكثر تفضيلًا من قِبل رئيس حكومة دولة الاحتلال في ظل الأوضاع الداخلية المتأزمة التي يواجهها.

الثاني: سيناريو التصعيد المؤجل، حيث يتم اختيار مستوى الرد في أوقات محددة وَفقًا لخيارات الطرف الذي تعرض للهجوم، وهو خيار يهدف إلى استنزاف الخصم أمنيًا وسياسيًا على المدى الطويل.

الثالث: سيناريو الدفع بقوة نحو وقف إطلاق النار، وهو ما يتطلب تحركًا إسرائيليًا داخليًا يحد من صلاحيات بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى ضغوط أميركية تدعم هذا التحرك الإسرائيلي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة